12 سيارة مفخخة هدية اليوم الأول لوجوده في الوزارة
ما ان أعلن عن تشكيل حكومة الجعفري حتى انهمر الرصاص من كل جانب ودقت ساعة النار في الساحات وخرج المارقون من جحورهم واشتعلت بغداد بالحريق دونها محارق روما في عهد نيرون !.
( 12 ) سيارة مفخخة أشعلت الساحة السياسية بالتوقعات المفاجئة مثلما أشعلت مقاعد البرلمان بالسجالات حول ( طرح الثقة ) بالحكومة مع ان الجعفري لم يصل مكتبه في رئاسة الوزراء بعد !.
كان هذا بداية الحريق المشترك بين المجموعات المسلحة المخبوءة في ثياب الجماعات السياسية ( الطائفية في المجلس الوطني ) ونهاية شوط من طول بال قادة الأغلبية والتعويل على اللغة السياسية الهادئة و ( حوار الإخوة ) ‘ وفي ساحة محشوة بالبارود لم يكد الشارع ينهي أول جولة من جولات العنف برؤية الأبناء مذبوحين كالخراف في شوارع العاصمة حتى دخل ( صوت الحكومة ) في غرف التخطيط لفعل شيء ما ازاء الأصوات المتطرفة القادمة من المجهول الأفغاني والعراقي والعربي ، كان ( صوت الحكومة ) اقل الأصوات في خضم الدعوات المسمومة بإشعال الحرب الطائفية وكان على الجميع الدخول في الإنذار الشديد لتحديد ( رؤية أمنية متقدمة ) ستحدد تالياً من يبقى ومن يترك الدولة نهباً للريح !
كان الاستهداف مقصوداً ، وكان الشارع هو المستهدف الأول في هذه الحرب التي أريد لها ان تكون ساحة مفتوحة لحروب الآخرين ، وان يكون العراق الجديد نسخة من العراق القديم ليعود بعد ذلك بلداً يتميز بالمحارق ويدفع أبناءه إثمان الحماقات السياسية لزعماء الطوائف الذين قرروا في لحظة الحريق الشامل البراءة من الجغرافيا الوطنية والدخول في لعبة الحرب الأهلية .
كيف له ان يتصدى لمشروع يستهدف جر البلد لأتون الحرب الداخلية وصراع السكاكين وحز الرؤوس واختطاف الحرائر .. وربما اختطاف العراق إلى ما لا نهاية وقد يقدم نفسه مشروعاً للفتنة في الساحة العربية بعد ان مثل حاضنة القوة ومشروع الوحدة العربية قروناً مديدة ؟.
كان يشعر انه ليس وزير الداخلية وحسب ، وليس الوزير المسؤول عن الأمن الذي تتناهبه القوى السياسية والجماعات المسلحة وتراجيديا غارقة بالدم والضحايا والرؤوس التي كانت تتدلى في شارع حيفا كما تدلت رؤوس الصحابة ونبلاء التجربة الإسلامية الأولى في كربلاء ، كان يرى مقتل الحسين برأس محمد باقر الحكيم ورؤوس مئات الأطفال برأس عبد الله الرضيع .. وهكذا تتجسد المأساة العراقية بعيونه المفتوحة على العراق المجهول كلما سقط طفل صغير مضمخا بدمائه أو انهارت معمارية إسلامية بصاعق المفخخات الغازية أو سقط امام في محراب الصلاة !.
كانت مسؤولية الأمن ثقيلة على كاهل الوزارة العراقية في زمن إبراهيم الجعفري وكان الوزراء يعولون ( في السلامة الشخصية ) على الوزير الذي سيتسلم موقع الأمن فكيف بمسؤولية سلامة الاجتماع العام ؟.
ان الأمن ليس وزارة في عهد الجعفري ، كان مشروعاً في ان نكون أو لا نكون ، ان نكون عراقيين لنا علاقة بمشروع الوطن والقوة والتماسك الاجتماعي وإرهاب الآخرين جرياً على قاعدة النظرية القرآنية ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) أو لا نكون ونستسلم لضغط الجماعات وننهار إمام مشروع الفتنة، وكان على الوزير ان يتمسك بإرعاب العدو وان يعطي الدليل الاجتماعي والسياسي الوطني انه .. ضد الإرهاب وليس وزيراً للإرهاب!.
كان يشعر ان الحكومة بخطر وليس المستهدف ( الجعفري ) لأنه ينتمي لمدرسة الامام جعفر بن محمد الصادق بمقدار ما كانت الحكومة العراقية ـ والعراق يجتاز أولى مراحل التدرج نحو العافية السياسية ـ هي المستهدفة ، فكان عليه ان يحدد ( رؤية أمنية ) لمعالجة أمر الدولة التي كانت محاصرة من قبل ( حكومة الجماعات المسلحة ) وأمراء متخصصين بذبح المشروع الوطني على قبلة الفتنة الطائفية !.
حين كان يجول في مناطق العاصمة ، كان يتذكر سيرته الأولى في المعارضة العراقية يومها كان خائفاً يترقب ، يقطع الطريق بحذر شديد ، وها هو اليوم يتجول في العاصمة والحذر يوقع الناس في شراكه ،والجماعات المسلحة تنهض
بـ ( مهمة احتلال بغداد ) لصالح أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وزعيم قاعدة بلاد الرافدين أبو مصعب ألزرقاوي !.
لم يباشر بمهام عمله في وزارة الداخلية بعد تشكيل حكومة ابراهيم الجعفري ، بل كان وزيراً للداخلية بالرؤية لا بالموقع الوزاري ، وحين دخل الوزارة كان مسلحاً بالرؤية التي أعادت تشكيل الوزارة وبناء سقوف القوة وترجمة ذلك الإحساس الأمني بوزارة سيادية .. وربما كان الإعلان عن الداخلية وزارة سيادية في البيان الحكومي الأول غير كاف لجعلها سيادية بالكامل ، كانت الوزارة في عهد النقيب سيادية لكنها لم تكن كذلك بفعل الخروقات الأمنية الكبيرة والاختراقات ( الإرهابية ) لجسم الوزارة في الداخل ، لقد تحولت وزارة سيادية عبر الرؤية الأمنية وتشكيل الفرق العسكرية المدربة على مكافحة الجماعات المسلحة ووجود إرادة سياسية على التغيير ، لقد نالت الوزارة استقلالها وسيادتها على نفسها وقرارها الشخصي الوطني في عهده فيما كانت وزارة منقوصة السيادة في عهود الآخرين !.
( 12 ) سيارة مفخخة لم تكن عملية في الهواء ، كانت عملية ضد الرؤية والحزم وقرار وطني بمداهمة أوكار الفتنة الطائفية التي كانت تنهض بمهام تفتيت البلد إلى جزر وأرخبيلات ومساحات يعبث بها قادة المشروع السفياني المجهزون بمعاول الطائفية ولو بهدم المعماريات المقدسة عند السنة والشيعة ، وهكذا جرت الفتنة فصولاً دامية كادت ان توقع البلد بالفوضى العارمة سعياً لإنتاج بلد يتخبط بالفوضى الخلاقة !.
الساحة العراقية في عهده كانت مقسمة بفعل سياسي إرادي ، لا احد يجرؤ على مس التقسيم ، فإذا مسه الخير فتح للحوار إلف باب وان مسه الشر اصدر مذكرات التوقيف والقاضي لا يبرح مكانه في وزارة الداخلية ، وحين كان يتعامل مع رؤوس الفتنة بالقوة سواء كانوا نواباً أو قادة سياسيين أو زعماء في كتل سياسية أو ( علماء دين ) لم يكن يأخذ بنظر الاعتبار وجود ( رافعة أمريكية اسمها زلماي خليل زاد ) في قلب العملية السياسية الملتبسة ولم يكن مرتاحاً لرؤيته إزاء استدعاء بعض الأشخاص المسؤولين عن قطع رؤوس الأبرياء وتقديمهم زعماء سياسيين ، وربما شكلوا فيما بعد جزءاً من العملية السياسية وحراك الدولة ومجلس النواب ، كانوا يذبحون في الليل ويتحدثون عن الحرية والديمقراطية ورفض المحتل وإخراج العراق من البند السابع والدعوة إلى المقاومة .. في النهار!.
كيف يفوت الفرصة على الأدعياء ، ويخرج هذه النخبة المفتونة بالحرب الطائفية وإهدار دم العراقيين لصالح مشروع الخراب وقطع الرؤوس والجريمة السياسية الفاضحة ، وما مطلوب منه لا يستطيع تلبيته بسبب التعارض الشديد بين ثوابته الدينية والسياسية والوطنية والعروبية والعراقية وبين هذه النخبة التي لا تعترف بدين الا دينها المذبوح على طريقتها السياسية ، ولا بمشروع وطني الا بأساس الخرائط الحزبية والسياسية والطائفية التي بني عليها هذا المشروع وكأن هؤلاء القادمين إلى قلب العملية السياسية ، أشقاء بالولادة للسيد بن غوريون وهو يقدم خرائط التوسع وحدود الدولة للعالم على أنقاض بلد مختلف !.
امام هذه التحديات شرع بهندسة الوزارة وتأسيس احتياطي عسكري وامني لها تماماً كما يشرع وزير النفط أو رئيس المال بتأسيس احتياطي نقدي لضمان قوة العملة الوطنية مقابل دينار الفتنة الطائفية ، لكن تلك الهندسة كانت تتأسس في ظل ظروف صعبة وتحديات مريرة ورقابة أمريكية لا قبل لوزير داخلية أمريكي أو عربي بها وبإجراءاتها الضاغطة ، كان زلماي خليل زاد لديه مشروع سياسي ومحددات يمتزج فيها طابع الاجتهاد الشخصي بدائرة خيارات الإدارة الأمريكية التي لا تلزمه التحرك بشكل واسع بما يضع الساحة العراقية في إطار الالتباس لكنها قد تلزمه فيما بعد بعامل الوقت سقفاً لنهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة من العمل السياسي مع الإطراف العراقية المختلفة سواء كانت تلك الإطراف داخل الحكومة أو خارجها !.
وليت الذي يجري عند الإطراف الأخرى له علاقة بالمعارضة السياسية لحكومة وحدة وطنية مغضوب عليها وعلى شعبها وفقرائها وبيوتها الآيلة للسقوط ومجتمعها الذي يعاني من اختراقات حادة في بنية اقتصاده واجتماعه الإنساني بسبب اسم رئيس الوزراء وكأن الجعفري الشيعي ليس عراقياً ووحده أسامة بن لادن وأبو مصعب ألزرقاوي والمهاجر هو .. العراقي !.
لقد تصرفت الإطراف المحسوبة على الهوية العراقية بدماثة خلق شديد مع تنظيم قاعدة بلاد الرافدين وأساءت الأدب مع الإطراف الوطنية التي نذرت نفسها طيلة ربع قرن من سنوات العمل الوطني لتأسيس عراق ديمقراطي يحترم فيه الإنسان أخاه الإنسان ، عراق خال من أسلحة الدمار الشامل الفكرية والسياسية والأمنية والطائفية والعسكرية ، عراق يشعر فيه الإنسان بكرامته وليس عراقاً مهاناً بفتاوى التكفير وسيوف الأمراء القادمين من وراء الحدود المحملين بـ ( 14 ) قرناً من قرارات ذبح الأخر المسلم بدعوى عدم حصوله على جواز المرور لجنة الفرقة الناجية !.
حين دلفت هذه النخبة وزارة الداخلية برفقة زلماي خليل زاد ، حيث قدمها الأخير بتوصيفة النخبة السنية أدرك الوزير بالرؤية لا بالموقع ان السنة لا علاقة لهم بهذه الجماعة ، وان زلماي خليل زاد سيرتكب خطأ ستراتيجياً فادحاً إذا ما اعتبر محمد الدايني وعبد الناصر الجنابي وآخرين من أمراء ( ثورة السكاكين ) شخصيات سنية !.
قال الزبيدي لزلماي خليل زاد بحضور هذه الجماعة في مكتبه الرسمي باللغة الانكليزية .. هؤلاء لا يمثلون السنة، THEY ARE NOT PRESENTITIVE ان السنة أسمى من عبد الناصر الجنابي وأوضح من محمد الدايني وأكثر رحمة من الجزارين .. كيف يمكن تقديم الدايني وتغييب سعدون الدليمي والاعتراف بسنية الجنابي والتنكر لحنفية احمد عبد الغفور السامرائي ؟.
كان هذا أول صدام سياسي بين الوزير والسفير الامريكي ، ولا زالت محاضر الداخلية العراقية تسجل بالقلم الرصاص تفاصيل اللقاء المثير الذي كشف فيه الوزير العراقي نقص الخبرة الشديد الذي كان يتميز به المسؤول الأمريكي بالمكونات العراقية وجغرافيا المذاهب وبأسراب الصقور والحمائم ، حيث أدرك زاد لاحقاً وعبر حوارات غير علنية مع وزير الداخلية بعد سنوات من تركه موقعه في الوزارة وعلى ساحل البحر الميت خطأ تقديراته السياسية في تلك الفترة بتقديم مجموعة من اللصوص والقتلة والمتمردين على شرعية الحرية وحقوق العراقيين في الحياة قادة سياسيين وشركاء وطن.
(12 ) سيارة مفخخة في اليوم الأول كانت رسالة فهم الوزير معناها، لكنها بقيت بلا معنى حين تفجرت في الساحات والشوارع ، فمن يذبح طفلاً ويغتصب امراءة محصنة ويستهدف شاباً بريئاً ومدرسة ابتدائية وروضة أطفال هو ( مقاوم ) بلا معنى ، وهل هنالك معنى للقتل والذبح والاغتصاب وتدمير المنشات البنيوية سوى استهداف البلد واغتصاب الحقيقة ؟.
ان هذه المفخخات انتهى مفعولها السياسي بعد أدائها فريضة الدم في أجساد الضحايا لكن الوزير القادم من ( رؤية أمنية وطنية ) ترجم المفعول المنتهي للمفخخات بشكل مختلف ، فقد بدأ بحرب تطهير مؤسسات الداخلية من الشعوذة الطائفية والمخبرين السريين للجماعات المسلحة والإدلاء الذين يعملون بأجور عالية وأعاد إنتاج الوزارة وفق أسس أخلاقية ووطنية ومهنية .. اتحدى ان ينبس احد ببنت شفة على الوزير في وطنيته وعلى الوزارة في مهنيتها حيث كان الآخرون يحولون وزاراتهم شيكاً مفتوحاً في الجيوب ، أو رصيداً كبيراً لصالح الجماعات المسلحة أو ان المهنية لا علاقة لها بهم من قريب أو بعيد !.
كان يستهدف بحدود الأشهر الثمانية لإدارة الداخلية تصليب إرادات الناس وفضح الملفات السرية لمشروع التفتيت ، ولم يكن يأخذ تحذير الآخرين .. على محمل الجد دائماً ، لهذا نجح في التصليب حيث فشل الآخرون في التضعيف وببناء القوات المسلحة برؤية أمنية قادرة على وأد الفتنة الطائفية حيث أرادها الآخرون حكومة تقسم البلد ووزارة مسؤولة عن التفتيت الوطني.
اخيرا .. وفي نهايات عام 2006أدرك زلماي خليل زاد خطأ العديد من تصوراته الأمنية واجتهاداته السياسية الخاصة بلملمة كيانات إرهابية سعت لتطويق النموذج الديمقراطي الجديد لهذا لجأ السفير زاد إلى الزبيدي مرة أخرى وهو وزير للمالية .. هدف الزيارة لم يكن ماليا أو خاضعا لنقاش تفاصيل الشأن العام لان اجتماعاً مثل هذا أو نقاش يتناول تفاصيل باهتة مسالة لا يعيرها الزبيدي الكثير من الاهتمام .
زار زلماي الوزير مع كادر من اركان السفارة الأمريكية وقد جرى الحديث عن الاوضاع العراقية المختلفة بعدها طلب السفير زاد من الفريق الاقتصادي الذي رافقه في الزيارة اخلاء المكان والخروج من الاجتماع وعقد اجتماع مغلق مع الوزير الزبيدي استمر نصف ساعة !.
ومما قاله السفير الأمريكي في هذا اللقاء يمكن تحديده بالنقاط التالية ..
1. ان الوضع الأمني العراقي بدأ يتدهور بعد ان ترك الوزير الزبيدي وزارة الداخلية اواسط 2006 حيث بدت بغداد (ساقطة بيد المجموعات الإرهابية) .
2. ابدى السفير الأمريكي رغبة واضحة سياسية وعسكرية بضرورة عودة الزبيدي بطلب المساعدة منه باعادة الأمن واستعادة السيطرة على الاوضاع في العاصمة وبقية محافظات العراق مثلما الح على ضرورة تقديم رؤى وتصورات أمنية خاصة بالكيفية التي استطاع من خلالها الوزير الزبيدي محاصرة الإرهاب والضرب بيد من حديد على المجموعات الإرهابية واستعادة الأمن في وقت كان هنالك الكثيرون في الداخل والخارج يراهنون على سقوط بغداد وتشكيل حكومة يقودها ارهابيون .. ان الالحاح بطلب هذه التصورات كان نتيجة طبيعية لنجاح الوزير الزبيدي في مهمة بسط الأمن نهايات عام 2005 .
3. طلب الوزير زلماي خليل زاد عقد اجتماع مع قائد قوات متعددة الجنسيات وعدد من ضباط الاركان .
4. كما وجه زلماي خليل زاد الدعوة للوزير الزبيدي لحضور وليمة طعام في منزل زلماي لبحث التطورات الأمنية والسياسية في البلد .
الوزير الزبيدي استجاب للدعوة حيث حضرها بوجود السفير الأمريكي الجنرال كيسي قائد قوات متعددة الجنسيات واثنان من ضباط الاركان برتبة فريق .. استمر غداء العمل زهاء الساعتين قدم فيها الوزير الزبيدي شرحا امنيا مفصلاً ورؤية بمعرفة احوال العاصمة والجماعات المسلحة متقدمة ومما قاله في هذا الصدد .. بغداد تم تقسيمها إلى شوارع نهايات عام 2006 متناحرة متقاتلة ولا صلة لحارة عراقية باخرى والجدران الكونكريتية كان لها دور بتفتيت المدن بسبب الخوف من خطط الجماعات المسلحة وغياب الخطط العسكرية الطموحة القادرة على استيعاب حجم العمليات الإرهابية ، والطائفية ضربت اطنابها في الشارع البغدادي .. هكذا سقطت مناطق العامرية وحي العدل والجامعة والشرطة وجزء من السيدية والدورة واجزاء من حي العــامل بيد المجموعات الإرهابية بالكامل .
أمام هذا المشهد الأمني البائس لايمكن ان نطهر بغداد بالاسلوب الذي اتبعناه في عمليات البرق في بغداد ، لان الإرهاب تداخل مع بيوت المواطنين وشكل حواضن فيها واحتل اجزاء واسعة من شوارع احياء العاصمة لذلك نحتاج إلى خطة جديدة وقد تم عرض هذه الخطة على ضباط الاركان تتلخص بتوسيع دائرة العمل الأمني لتشمل كل بغداد لتتحول العاصمة بعد ذلك بوصفها (منطقة خضراء) .
كيف يتحقق هذا الأمر ؟.
الأمر بحاجة إلى خندق يحوط بغداد .. يفصلها عن البساتين المحيطة ، وهنا اشار الزبيدي إلى خارطة يمكن الاعتماد عليها ، والإفادة منها في بناء هذا الخندق العازل ، وتتلخص تلك العوازل والفواصل بالمبازل والانهر والممرات المائية العديدة ، حيث تستخدم تلك التفاصيل الجغرافية عوازل يتبعها بعد ذلك حفر خندق عريض وتكون البداية من المنطقة الخضراء وتقسيم بغداد إلى مربعات أمنية وتشكيل مجموعات من الشرطة والجيش والأجهزة الاستخبارية تتولى تفتيش البيوت بيتاً بيتاً وشارعاً شارعاً بعدها توضع حواجز التفتيش أو ما يعرف بـ (check point) ويتم التقدم إلى المربع الثاني شمالا وشرقا حتى تطهير العاصمة من الإرهاب وعند ذلك يمكننا تحقيق الاستقرار في الداخل .
يشير الزبيدي ، في هذا الوقت الذي كنت اعرض فيه هذه الرؤية الأمنية كانت مدن الانبار والموصل وديالى ساقطة بالكامل بيد الارهابيين يصولون ويجولون فيها وكانت قرى واقضية صلاح الدين هي الحواضن التي يتغذى منها الارهابيون إضافة إلى السيطرة الكاملة على مصفى بيجي ، وقد شكلت عائدات هذا المصفى احتياطياً مالياً كبيراً قدر بمليار دولار شهريا حسب تقدير قوات متعددة الجنسيات ، كانت هذه الأموال تجبى من عائدات التهريب وسرقة المشتقات النفطية .
السيد الوزير اشار في اللقاء ان المهمة صعبة وان القوات الأمريكية والمتعددة الجنسية تحتاج إلى 30 إلف مقاتل اضافي وخطة جديدة للوقائع الأمنية الخاطئة التي صنعها السفير زلماي خليل زاد وشكلها لتغذية خطته السياسية القاضية بادخال رموز الإرهاب وشخصياته بالعملية السياسية .
ويضيف .. اتذكر جيدا بعد هذا اللقاء والخطة قد وضعت حيث لم تشهد النور اصبحت المنطقة الخضراء هي الأخرى مرتعا للارهابيين وتم تفجير البرلمان بتاريخ 12/4/2007 بحزام ناسف من قبل النائب الهارب محمد الدايني وعبد الناصر الجنابي وهما ارهابيان شخصهم الوزير الزبيدي وحذر من وجودهم لكن زلماي خليل زاد كان مصراً على ادخال هذه الجوقة من المجرمين فضاء العملية السياسية .. وفي الوقائع ان سيارتين مفخختين دخلتا مراب مجلس النواب وكشفهما كلب حراسة مدربا كان مارا بالصدفة من المكان ، و اطلاق صاروخين استهدفا اغتيال الزبيدي أثناء وجوده بمأدبة افطار رمضانية واكتشاف أسلحة مهربة داخل الخضراء ومتفجرات .
ويستطرد الوزير .. كان لزاماً على القوات الأمريكية التي كانت في 2005و 2006 تخسر ما بين 8 إلى 10 جنود قتلى شهرياً اصبحت تقدم عام 2007 108 شهرياً كان لزاما ان تأتي خطة باتريوس بإقصاء الجنرال كيسي وزلماي من مهامهما السياسية والعسكرية فهما يتحملان المسؤولية الكاملة عن التردي الأمني الذي شهدته العاصمة ومدن عراقية أخرى .
كان زلماي يقود الجنرال كيسي وكان من جراء هذه القيادة ان تردى الأمن بالعاصمة اما في عهد باتريوس _ كروكر فكان باتريوس يقود كروكر وكان من جراء هذه القيادة ان تم تجفيف منابع الإرهاب وتصفية قواعده باضافة 30 إلف جندي وأسلحة أمريكية جديدة ومتطورة وملياري دولار وزعت لتأسيس تجربة الصحوات الناجحة .. وبهذا العدد وبالرؤية الأمنية السياسية ووحدة القرار الأمريكي الذي كان غير موحد في بغداد ابان وجود زلماي _ كيسي تم تحرير الانبار والقضاء على مثلث الموت وانبثاق فكرة الصحوات التي كان الوزير الزبيدي والدكتور سعدون الدليمي اهم واضعي مشروعها الميداني .
ما ان أعلن عن تشكيل حكومة الجعفري حتى انهمر الرصاص من كل جانب ودقت ساعة النار في الساحات وخرج المارقون من جحورهم واشتعلت بغداد بالحريق دونها محارق روما في عهد نيرون !.
( 12 ) سيارة مفخخة أشعلت الساحة السياسية بالتوقعات المفاجئة مثلما أشعلت مقاعد البرلمان بالسجالات حول ( طرح الثقة ) بالحكومة مع ان الجعفري لم يصل مكتبه في رئاسة الوزراء بعد !.
كان هذا بداية الحريق المشترك بين المجموعات المسلحة المخبوءة في ثياب الجماعات السياسية ( الطائفية في المجلس الوطني ) ونهاية شوط من طول بال قادة الأغلبية والتعويل على اللغة السياسية الهادئة و ( حوار الإخوة ) ‘ وفي ساحة محشوة بالبارود لم يكد الشارع ينهي أول جولة من جولات العنف برؤية الأبناء مذبوحين كالخراف في شوارع العاصمة حتى دخل ( صوت الحكومة ) في غرف التخطيط لفعل شيء ما ازاء الأصوات المتطرفة القادمة من المجهول الأفغاني والعراقي والعربي ، كان ( صوت الحكومة ) اقل الأصوات في خضم الدعوات المسمومة بإشعال الحرب الطائفية وكان على الجميع الدخول في الإنذار الشديد لتحديد ( رؤية أمنية متقدمة ) ستحدد تالياً من يبقى ومن يترك الدولة نهباً للريح !
كان الاستهداف مقصوداً ، وكان الشارع هو المستهدف الأول في هذه الحرب التي أريد لها ان تكون ساحة مفتوحة لحروب الآخرين ، وان يكون العراق الجديد نسخة من العراق القديم ليعود بعد ذلك بلداً يتميز بالمحارق ويدفع أبناءه إثمان الحماقات السياسية لزعماء الطوائف الذين قرروا في لحظة الحريق الشامل البراءة من الجغرافيا الوطنية والدخول في لعبة الحرب الأهلية .
كيف له ان يتصدى لمشروع يستهدف جر البلد لأتون الحرب الداخلية وصراع السكاكين وحز الرؤوس واختطاف الحرائر .. وربما اختطاف العراق إلى ما لا نهاية وقد يقدم نفسه مشروعاً للفتنة في الساحة العربية بعد ان مثل حاضنة القوة ومشروع الوحدة العربية قروناً مديدة ؟.
كان يشعر انه ليس وزير الداخلية وحسب ، وليس الوزير المسؤول عن الأمن الذي تتناهبه القوى السياسية والجماعات المسلحة وتراجيديا غارقة بالدم والضحايا والرؤوس التي كانت تتدلى في شارع حيفا كما تدلت رؤوس الصحابة ونبلاء التجربة الإسلامية الأولى في كربلاء ، كان يرى مقتل الحسين برأس محمد باقر الحكيم ورؤوس مئات الأطفال برأس عبد الله الرضيع .. وهكذا تتجسد المأساة العراقية بعيونه المفتوحة على العراق المجهول كلما سقط طفل صغير مضمخا بدمائه أو انهارت معمارية إسلامية بصاعق المفخخات الغازية أو سقط امام في محراب الصلاة !.
كانت مسؤولية الأمن ثقيلة على كاهل الوزارة العراقية في زمن إبراهيم الجعفري وكان الوزراء يعولون ( في السلامة الشخصية ) على الوزير الذي سيتسلم موقع الأمن فكيف بمسؤولية سلامة الاجتماع العام ؟.
ان الأمن ليس وزارة في عهد الجعفري ، كان مشروعاً في ان نكون أو لا نكون ، ان نكون عراقيين لنا علاقة بمشروع الوطن والقوة والتماسك الاجتماعي وإرهاب الآخرين جرياً على قاعدة النظرية القرآنية ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) أو لا نكون ونستسلم لضغط الجماعات وننهار إمام مشروع الفتنة، وكان على الوزير ان يتمسك بإرعاب العدو وان يعطي الدليل الاجتماعي والسياسي الوطني انه .. ضد الإرهاب وليس وزيراً للإرهاب!.
كان يشعر ان الحكومة بخطر وليس المستهدف ( الجعفري ) لأنه ينتمي لمدرسة الامام جعفر بن محمد الصادق بمقدار ما كانت الحكومة العراقية ـ والعراق يجتاز أولى مراحل التدرج نحو العافية السياسية ـ هي المستهدفة ، فكان عليه ان يحدد ( رؤية أمنية ) لمعالجة أمر الدولة التي كانت محاصرة من قبل ( حكومة الجماعات المسلحة ) وأمراء متخصصين بذبح المشروع الوطني على قبلة الفتنة الطائفية !.
حين كان يجول في مناطق العاصمة ، كان يتذكر سيرته الأولى في المعارضة العراقية يومها كان خائفاً يترقب ، يقطع الطريق بحذر شديد ، وها هو اليوم يتجول في العاصمة والحذر يوقع الناس في شراكه ،والجماعات المسلحة تنهض
بـ ( مهمة احتلال بغداد ) لصالح أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وزعيم قاعدة بلاد الرافدين أبو مصعب ألزرقاوي !.
لم يباشر بمهام عمله في وزارة الداخلية بعد تشكيل حكومة ابراهيم الجعفري ، بل كان وزيراً للداخلية بالرؤية لا بالموقع الوزاري ، وحين دخل الوزارة كان مسلحاً بالرؤية التي أعادت تشكيل الوزارة وبناء سقوف القوة وترجمة ذلك الإحساس الأمني بوزارة سيادية .. وربما كان الإعلان عن الداخلية وزارة سيادية في البيان الحكومي الأول غير كاف لجعلها سيادية بالكامل ، كانت الوزارة في عهد النقيب سيادية لكنها لم تكن كذلك بفعل الخروقات الأمنية الكبيرة والاختراقات ( الإرهابية ) لجسم الوزارة في الداخل ، لقد تحولت وزارة سيادية عبر الرؤية الأمنية وتشكيل الفرق العسكرية المدربة على مكافحة الجماعات المسلحة ووجود إرادة سياسية على التغيير ، لقد نالت الوزارة استقلالها وسيادتها على نفسها وقرارها الشخصي الوطني في عهده فيما كانت وزارة منقوصة السيادة في عهود الآخرين !.
( 12 ) سيارة مفخخة لم تكن عملية في الهواء ، كانت عملية ضد الرؤية والحزم وقرار وطني بمداهمة أوكار الفتنة الطائفية التي كانت تنهض بمهام تفتيت البلد إلى جزر وأرخبيلات ومساحات يعبث بها قادة المشروع السفياني المجهزون بمعاول الطائفية ولو بهدم المعماريات المقدسة عند السنة والشيعة ، وهكذا جرت الفتنة فصولاً دامية كادت ان توقع البلد بالفوضى العارمة سعياً لإنتاج بلد يتخبط بالفوضى الخلاقة !.
الساحة العراقية في عهده كانت مقسمة بفعل سياسي إرادي ، لا احد يجرؤ على مس التقسيم ، فإذا مسه الخير فتح للحوار إلف باب وان مسه الشر اصدر مذكرات التوقيف والقاضي لا يبرح مكانه في وزارة الداخلية ، وحين كان يتعامل مع رؤوس الفتنة بالقوة سواء كانوا نواباً أو قادة سياسيين أو زعماء في كتل سياسية أو ( علماء دين ) لم يكن يأخذ بنظر الاعتبار وجود ( رافعة أمريكية اسمها زلماي خليل زاد ) في قلب العملية السياسية الملتبسة ولم يكن مرتاحاً لرؤيته إزاء استدعاء بعض الأشخاص المسؤولين عن قطع رؤوس الأبرياء وتقديمهم زعماء سياسيين ، وربما شكلوا فيما بعد جزءاً من العملية السياسية وحراك الدولة ومجلس النواب ، كانوا يذبحون في الليل ويتحدثون عن الحرية والديمقراطية ورفض المحتل وإخراج العراق من البند السابع والدعوة إلى المقاومة .. في النهار!.
كيف يفوت الفرصة على الأدعياء ، ويخرج هذه النخبة المفتونة بالحرب الطائفية وإهدار دم العراقيين لصالح مشروع الخراب وقطع الرؤوس والجريمة السياسية الفاضحة ، وما مطلوب منه لا يستطيع تلبيته بسبب التعارض الشديد بين ثوابته الدينية والسياسية والوطنية والعروبية والعراقية وبين هذه النخبة التي لا تعترف بدين الا دينها المذبوح على طريقتها السياسية ، ولا بمشروع وطني الا بأساس الخرائط الحزبية والسياسية والطائفية التي بني عليها هذا المشروع وكأن هؤلاء القادمين إلى قلب العملية السياسية ، أشقاء بالولادة للسيد بن غوريون وهو يقدم خرائط التوسع وحدود الدولة للعالم على أنقاض بلد مختلف !.
امام هذه التحديات شرع بهندسة الوزارة وتأسيس احتياطي عسكري وامني لها تماماً كما يشرع وزير النفط أو رئيس المال بتأسيس احتياطي نقدي لضمان قوة العملة الوطنية مقابل دينار الفتنة الطائفية ، لكن تلك الهندسة كانت تتأسس في ظل ظروف صعبة وتحديات مريرة ورقابة أمريكية لا قبل لوزير داخلية أمريكي أو عربي بها وبإجراءاتها الضاغطة ، كان زلماي خليل زاد لديه مشروع سياسي ومحددات يمتزج فيها طابع الاجتهاد الشخصي بدائرة خيارات الإدارة الأمريكية التي لا تلزمه التحرك بشكل واسع بما يضع الساحة العراقية في إطار الالتباس لكنها قد تلزمه فيما بعد بعامل الوقت سقفاً لنهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة من العمل السياسي مع الإطراف العراقية المختلفة سواء كانت تلك الإطراف داخل الحكومة أو خارجها !.
وليت الذي يجري عند الإطراف الأخرى له علاقة بالمعارضة السياسية لحكومة وحدة وطنية مغضوب عليها وعلى شعبها وفقرائها وبيوتها الآيلة للسقوط ومجتمعها الذي يعاني من اختراقات حادة في بنية اقتصاده واجتماعه الإنساني بسبب اسم رئيس الوزراء وكأن الجعفري الشيعي ليس عراقياً ووحده أسامة بن لادن وأبو مصعب ألزرقاوي والمهاجر هو .. العراقي !.
لقد تصرفت الإطراف المحسوبة على الهوية العراقية بدماثة خلق شديد مع تنظيم قاعدة بلاد الرافدين وأساءت الأدب مع الإطراف الوطنية التي نذرت نفسها طيلة ربع قرن من سنوات العمل الوطني لتأسيس عراق ديمقراطي يحترم فيه الإنسان أخاه الإنسان ، عراق خال من أسلحة الدمار الشامل الفكرية والسياسية والأمنية والطائفية والعسكرية ، عراق يشعر فيه الإنسان بكرامته وليس عراقاً مهاناً بفتاوى التكفير وسيوف الأمراء القادمين من وراء الحدود المحملين بـ ( 14 ) قرناً من قرارات ذبح الأخر المسلم بدعوى عدم حصوله على جواز المرور لجنة الفرقة الناجية !.
حين دلفت هذه النخبة وزارة الداخلية برفقة زلماي خليل زاد ، حيث قدمها الأخير بتوصيفة النخبة السنية أدرك الوزير بالرؤية لا بالموقع ان السنة لا علاقة لهم بهذه الجماعة ، وان زلماي خليل زاد سيرتكب خطأ ستراتيجياً فادحاً إذا ما اعتبر محمد الدايني وعبد الناصر الجنابي وآخرين من أمراء ( ثورة السكاكين ) شخصيات سنية !.
قال الزبيدي لزلماي خليل زاد بحضور هذه الجماعة في مكتبه الرسمي باللغة الانكليزية .. هؤلاء لا يمثلون السنة، THEY ARE NOT PRESENTITIVE ان السنة أسمى من عبد الناصر الجنابي وأوضح من محمد الدايني وأكثر رحمة من الجزارين .. كيف يمكن تقديم الدايني وتغييب سعدون الدليمي والاعتراف بسنية الجنابي والتنكر لحنفية احمد عبد الغفور السامرائي ؟.
كان هذا أول صدام سياسي بين الوزير والسفير الامريكي ، ولا زالت محاضر الداخلية العراقية تسجل بالقلم الرصاص تفاصيل اللقاء المثير الذي كشف فيه الوزير العراقي نقص الخبرة الشديد الذي كان يتميز به المسؤول الأمريكي بالمكونات العراقية وجغرافيا المذاهب وبأسراب الصقور والحمائم ، حيث أدرك زاد لاحقاً وعبر حوارات غير علنية مع وزير الداخلية بعد سنوات من تركه موقعه في الوزارة وعلى ساحل البحر الميت خطأ تقديراته السياسية في تلك الفترة بتقديم مجموعة من اللصوص والقتلة والمتمردين على شرعية الحرية وحقوق العراقيين في الحياة قادة سياسيين وشركاء وطن.
(12 ) سيارة مفخخة في اليوم الأول كانت رسالة فهم الوزير معناها، لكنها بقيت بلا معنى حين تفجرت في الساحات والشوارع ، فمن يذبح طفلاً ويغتصب امراءة محصنة ويستهدف شاباً بريئاً ومدرسة ابتدائية وروضة أطفال هو ( مقاوم ) بلا معنى ، وهل هنالك معنى للقتل والذبح والاغتصاب وتدمير المنشات البنيوية سوى استهداف البلد واغتصاب الحقيقة ؟.
ان هذه المفخخات انتهى مفعولها السياسي بعد أدائها فريضة الدم في أجساد الضحايا لكن الوزير القادم من ( رؤية أمنية وطنية ) ترجم المفعول المنتهي للمفخخات بشكل مختلف ، فقد بدأ بحرب تطهير مؤسسات الداخلية من الشعوذة الطائفية والمخبرين السريين للجماعات المسلحة والإدلاء الذين يعملون بأجور عالية وأعاد إنتاج الوزارة وفق أسس أخلاقية ووطنية ومهنية .. اتحدى ان ينبس احد ببنت شفة على الوزير في وطنيته وعلى الوزارة في مهنيتها حيث كان الآخرون يحولون وزاراتهم شيكاً مفتوحاً في الجيوب ، أو رصيداً كبيراً لصالح الجماعات المسلحة أو ان المهنية لا علاقة لها بهم من قريب أو بعيد !.
كان يستهدف بحدود الأشهر الثمانية لإدارة الداخلية تصليب إرادات الناس وفضح الملفات السرية لمشروع التفتيت ، ولم يكن يأخذ تحذير الآخرين .. على محمل الجد دائماً ، لهذا نجح في التصليب حيث فشل الآخرون في التضعيف وببناء القوات المسلحة برؤية أمنية قادرة على وأد الفتنة الطائفية حيث أرادها الآخرون حكومة تقسم البلد ووزارة مسؤولة عن التفتيت الوطني.
اخيرا .. وفي نهايات عام 2006أدرك زلماي خليل زاد خطأ العديد من تصوراته الأمنية واجتهاداته السياسية الخاصة بلملمة كيانات إرهابية سعت لتطويق النموذج الديمقراطي الجديد لهذا لجأ السفير زاد إلى الزبيدي مرة أخرى وهو وزير للمالية .. هدف الزيارة لم يكن ماليا أو خاضعا لنقاش تفاصيل الشأن العام لان اجتماعاً مثل هذا أو نقاش يتناول تفاصيل باهتة مسالة لا يعيرها الزبيدي الكثير من الاهتمام .
زار زلماي الوزير مع كادر من اركان السفارة الأمريكية وقد جرى الحديث عن الاوضاع العراقية المختلفة بعدها طلب السفير زاد من الفريق الاقتصادي الذي رافقه في الزيارة اخلاء المكان والخروج من الاجتماع وعقد اجتماع مغلق مع الوزير الزبيدي استمر نصف ساعة !.
ومما قاله السفير الأمريكي في هذا اللقاء يمكن تحديده بالنقاط التالية ..
1. ان الوضع الأمني العراقي بدأ يتدهور بعد ان ترك الوزير الزبيدي وزارة الداخلية اواسط 2006 حيث بدت بغداد (ساقطة بيد المجموعات الإرهابية) .
2. ابدى السفير الأمريكي رغبة واضحة سياسية وعسكرية بضرورة عودة الزبيدي بطلب المساعدة منه باعادة الأمن واستعادة السيطرة على الاوضاع في العاصمة وبقية محافظات العراق مثلما الح على ضرورة تقديم رؤى وتصورات أمنية خاصة بالكيفية التي استطاع من خلالها الوزير الزبيدي محاصرة الإرهاب والضرب بيد من حديد على المجموعات الإرهابية واستعادة الأمن في وقت كان هنالك الكثيرون في الداخل والخارج يراهنون على سقوط بغداد وتشكيل حكومة يقودها ارهابيون .. ان الالحاح بطلب هذه التصورات كان نتيجة طبيعية لنجاح الوزير الزبيدي في مهمة بسط الأمن نهايات عام 2005 .
3. طلب الوزير زلماي خليل زاد عقد اجتماع مع قائد قوات متعددة الجنسيات وعدد من ضباط الاركان .
4. كما وجه زلماي خليل زاد الدعوة للوزير الزبيدي لحضور وليمة طعام في منزل زلماي لبحث التطورات الأمنية والسياسية في البلد .
الوزير الزبيدي استجاب للدعوة حيث حضرها بوجود السفير الأمريكي الجنرال كيسي قائد قوات متعددة الجنسيات واثنان من ضباط الاركان برتبة فريق .. استمر غداء العمل زهاء الساعتين قدم فيها الوزير الزبيدي شرحا امنيا مفصلاً ورؤية بمعرفة احوال العاصمة والجماعات المسلحة متقدمة ومما قاله في هذا الصدد .. بغداد تم تقسيمها إلى شوارع نهايات عام 2006 متناحرة متقاتلة ولا صلة لحارة عراقية باخرى والجدران الكونكريتية كان لها دور بتفتيت المدن بسبب الخوف من خطط الجماعات المسلحة وغياب الخطط العسكرية الطموحة القادرة على استيعاب حجم العمليات الإرهابية ، والطائفية ضربت اطنابها في الشارع البغدادي .. هكذا سقطت مناطق العامرية وحي العدل والجامعة والشرطة وجزء من السيدية والدورة واجزاء من حي العــامل بيد المجموعات الإرهابية بالكامل .
أمام هذا المشهد الأمني البائس لايمكن ان نطهر بغداد بالاسلوب الذي اتبعناه في عمليات البرق في بغداد ، لان الإرهاب تداخل مع بيوت المواطنين وشكل حواضن فيها واحتل اجزاء واسعة من شوارع احياء العاصمة لذلك نحتاج إلى خطة جديدة وقد تم عرض هذه الخطة على ضباط الاركان تتلخص بتوسيع دائرة العمل الأمني لتشمل كل بغداد لتتحول العاصمة بعد ذلك بوصفها (منطقة خضراء) .
كيف يتحقق هذا الأمر ؟.
الأمر بحاجة إلى خندق يحوط بغداد .. يفصلها عن البساتين المحيطة ، وهنا اشار الزبيدي إلى خارطة يمكن الاعتماد عليها ، والإفادة منها في بناء هذا الخندق العازل ، وتتلخص تلك العوازل والفواصل بالمبازل والانهر والممرات المائية العديدة ، حيث تستخدم تلك التفاصيل الجغرافية عوازل يتبعها بعد ذلك حفر خندق عريض وتكون البداية من المنطقة الخضراء وتقسيم بغداد إلى مربعات أمنية وتشكيل مجموعات من الشرطة والجيش والأجهزة الاستخبارية تتولى تفتيش البيوت بيتاً بيتاً وشارعاً شارعاً بعدها توضع حواجز التفتيش أو ما يعرف بـ (check point) ويتم التقدم إلى المربع الثاني شمالا وشرقا حتى تطهير العاصمة من الإرهاب وعند ذلك يمكننا تحقيق الاستقرار في الداخل .
يشير الزبيدي ، في هذا الوقت الذي كنت اعرض فيه هذه الرؤية الأمنية كانت مدن الانبار والموصل وديالى ساقطة بالكامل بيد الارهابيين يصولون ويجولون فيها وكانت قرى واقضية صلاح الدين هي الحواضن التي يتغذى منها الارهابيون إضافة إلى السيطرة الكاملة على مصفى بيجي ، وقد شكلت عائدات هذا المصفى احتياطياً مالياً كبيراً قدر بمليار دولار شهريا حسب تقدير قوات متعددة الجنسيات ، كانت هذه الأموال تجبى من عائدات التهريب وسرقة المشتقات النفطية .
السيد الوزير اشار في اللقاء ان المهمة صعبة وان القوات الأمريكية والمتعددة الجنسية تحتاج إلى 30 إلف مقاتل اضافي وخطة جديدة للوقائع الأمنية الخاطئة التي صنعها السفير زلماي خليل زاد وشكلها لتغذية خطته السياسية القاضية بادخال رموز الإرهاب وشخصياته بالعملية السياسية .
ويضيف .. اتذكر جيدا بعد هذا اللقاء والخطة قد وضعت حيث لم تشهد النور اصبحت المنطقة الخضراء هي الأخرى مرتعا للارهابيين وتم تفجير البرلمان بتاريخ 12/4/2007 بحزام ناسف من قبل النائب الهارب محمد الدايني وعبد الناصر الجنابي وهما ارهابيان شخصهم الوزير الزبيدي وحذر من وجودهم لكن زلماي خليل زاد كان مصراً على ادخال هذه الجوقة من المجرمين فضاء العملية السياسية .. وفي الوقائع ان سيارتين مفخختين دخلتا مراب مجلس النواب وكشفهما كلب حراسة مدربا كان مارا بالصدفة من المكان ، و اطلاق صاروخين استهدفا اغتيال الزبيدي أثناء وجوده بمأدبة افطار رمضانية واكتشاف أسلحة مهربة داخل الخضراء ومتفجرات .
ويستطرد الوزير .. كان لزاماً على القوات الأمريكية التي كانت في 2005و 2006 تخسر ما بين 8 إلى 10 جنود قتلى شهرياً اصبحت تقدم عام 2007 108 شهرياً كان لزاما ان تأتي خطة باتريوس بإقصاء الجنرال كيسي وزلماي من مهامهما السياسية والعسكرية فهما يتحملان المسؤولية الكاملة عن التردي الأمني الذي شهدته العاصمة ومدن عراقية أخرى .
كان زلماي يقود الجنرال كيسي وكان من جراء هذه القيادة ان تردى الأمن بالعاصمة اما في عهد باتريوس _ كروكر فكان باتريوس يقود كروكر وكان من جراء هذه القيادة ان تم تجفيف منابع الإرهاب وتصفية قواعده باضافة 30 إلف جندي وأسلحة أمريكية جديدة ومتطورة وملياري دولار وزعت لتأسيس تجربة الصحوات الناجحة .. وبهذا العدد وبالرؤية الأمنية السياسية ووحدة القرار الأمريكي الذي كان غير موحد في بغداد ابان وجود زلماي _ كيسي تم تحرير الانبار والقضاء على مثلث الموت وانبثاق فكرة الصحوات التي كان الوزير الزبيدي والدكتور سعدون الدليمي اهم واضعي مشروعها الميداني .